كتاب تعريف عام بدين الإسلام
- Posted by 7ewar
- التصنيفات مكتبة حوار
- Date 26/04/2023
- التعليقات 0 comment
كتاب “تأملات في الدين والحياة”
للإمام المجدد محمد الغزالي رحمه الله
إذا كنت مسافراً وحدك فرأيت أمامك مفرق طريقين: طريقاً صعباً صاعداً في الجبل، وطريقاً سهلاً منحدراً إلى السهل. الأول فيه وعورة وحجارة منثورة، وأشواك وحفر، ويصعب تسلقه، ويتعسر السير فيه، ولكن أمامه لوحة نصبتها الحكومة، فيها: إن هذا الطريق على عورة أوله، وصعوبة سلوكه، هو الطريق الصحيح، الذي يوصل إلى المدينة الكبيرة والغاية المقصودة. والثاني معبد، تظلله الأشجار ذوات الأزهار والثمار وعلى جانبيه المقاهي والملاهي فيها كل ما يلذ القلب، ويسر العين، ويشف الأذن ولكن عليه لوحة فيها: إنه طريق خطر مهلك، آخره هرة فيها الموت المحقق، والهلاك الأكيد.
فأي الطريقتين تسلك؟. لا شك أن النفس تميل إلى السهل دون الصعب، واللذيذ دون المؤلم، وتحب الانصلاح وتكره القيود، هذه فطرة الله عليها، ولو ترك الإنسان نفسه وهواها، وانقاد لها، سلك الطريق الثاني، ولكن العقل يتدخل، ويوازن بين اللذة القصيرة الحاضرة يعقبها ألم طويل، والألم العرض المؤقت تكون بعده لذة باقية، فيؤثر الأول. هذا هو طريق الجنة، وطريق النار.
وليس معنى هذا أن الإسلام يطلب من المسلم أن يزهد في الدنيا مرة واحدة، وينفض أصابعه منها، ولا أن يسكن المساجد فلا يخرج منها، ولا أن يأوي إلى مغارة يمضي حياته فيها، لا.. بل إن الإسلام يطلب من المسلمين أن يكونوا في الحضارة الخيرة سادة المتحضرين، وفي المال أغنى الأغنياء، وفي العلم -العلم كله- أعمل العلماء، وأن يعرف كل مسلم حق جسده عليه بالغذاء والرياضة، وحق نفسه بالتسلية والإجمام والمتعة بغير الحرام، وحق أهله بالرعاية وحسن الصحبة، وحق ولده بالتربية والتوجيه والعطف، وحق المجتمع بالعمل على كل ما يصلحه، كما يعرف حق الله بالتوحيد والطاعة.
يجمع المال ولكن من الحلال، ويستمتع بالطيبات المباحة، ويكون في الدنيا على أحسن ما يكون عليها أهلها، بشرط أن يبقى صحيح التوحيد، لا يداخل إيمانه شرك ظاهر أو خفى، صحيح الإسلام، يدع المحرمات، ويأتي الفرائض، وأن يكون المال في يده لا في قلبه، لا يكون اعتماده عليه، بل يكون اعتماده على ربه، وأن يكون رضا الله هو مقصده ومبتغاه.