إشكالية فهم النص عند المستشرقين
- Posted by 7ewar
- التصنيفات مكتبة حوار
- Date 03/03/2024
- التعليقات 0 comment
كتاب “إشكالية فهم النص عند المستشرقين”
بقلم الدكتور عادل عباس النصراوي
يتعدّد فهم النص تبعاً لطبيعة المُتلقّي المُرتبط دائماً بثقافته ومجتمعه وبيئته، وكذلك لنوع المثيرات التي يُحدثها لمواجهة ذلك النصّ، سلباً أو إيجاباً، وتتجلّى تلك المثيرات بطبيعة الأسئلة التي تواجه النص المقروء أو المسموع، فتعمل على جلاء المخفي منه أو قد تعمل على زيادة خفاء الدلالة والوقوع في الوهم إذا كانت تلك المثيرات من قبل المتلقي لا تتفق معه؛ فربما يكون بسبب اختلاف البيئة، أو أن ثقافة المتلقي لا يمكنها أن تستوعب النّص لأنه مفارق لما اعتاد عليه، فستكون القراءة ناقصة أو غير تامّة.
هذا وتعتمد قراءة النص لأجل فهم معاينه ودلالاته على الإشكالات المطروحة التي تنسجم معه وفق منهجية قادرة على الوصول إلى ما يكتنزه النص من معانٍ ودلالات. وعلى هذا، فإن تمثُّل الإشكالية أمراً في غاية الأهمية لتنوير النص وحل عقد المشكلات أو (المشكل) الذي وقع، فأصبح مثاراً لكل أسئلة الإشكالية.
من هذا المنطلق تأتي هذه الدراسة حول ما كتبه المستشرقون حول القرآن الكريم، حيث كانت هناك ردود من قِبل الكتّاب المسلمين في محاولة للحدّ من غوائهم، وكان فيها تحامل من طرف على الآخر، فقد كان بعضهم قد خرج من لياقات البحث العلمي وأصوله التي تأخذ بأيدي الباحثين إلى الطريق الصواب، فتماهت بين أسطرهم الحقيقة، وغشيها ما غشيها، ولعلّ الباحث يرى بأنّ مرجع ذلك إلى طبيعة المنهج الذي استعمله المستشرقون في دراسة التراث الإسلامي الذي اعتمد على مفردات البيئة الغربية التي تختلف كثيراً عن مجريات المجتمع العربي، خاصة، والإسلامي، عامة، وطبيعتها التي جرت وفق تعاليم الإسلام الحنيف؛ فيما كانت طبيعة المجتمع الغربي بعد عصر التنوير الذي انبثق من بين مفرداته وطروحاته طبقة المستشرقين، كانت طبيعة تعادي الدين بسبب من تصرفات الكنيسة التي سيطرت على كل مقدرات الشعوب الغربية المسيحية بالخرافة والجدل وغيرها من الطرق الملتوية، فهاج الناس على تعاليمها ونبذ فكرة الانتماء لها فتحول المجتمع الغربي إلى مجتمع لا ديني في أغلب طبقاته ومكوناته العرقية.
وهكذا، وعندما جاء المستشرقون لدراسة التراث العربي الإسلامي، كانو يحملون معهم كل منهم الهموم والتوجهات، فضلاً عن الأهداف التي رُسمت لهم أو التي هم رسموها لأنفسهم، فكان لابدّ أن تفترق هذه المناهج والأهداف عما وُجد في المجتمعات الإسلامية عموماً والعربية خصوصاً، فاصطدموا بكل ذلك التراث الذي بُنيَ على معتقدات دينية وروحية تحمل عبق الشرق وقيمه المخالفة روحاً وعقيدةً ومذهباً وسلوكاً لكل توجهات الغرب المادية والدينية والعقدية التي انفلتت من قيود المجتمع القديم الذي عاشه الذي مضوا من آبائهم وأجدادهم.
هذا الأمر مثّل إشكالية عاشها المستشرقون الذي درسوا التراث الإسلامي، وخاصة القرآن الكريم والسنة النبوية المباركة، فوجدوا أنّ القرآن في عُرف المجتمع الإسلامي لا ينفكّ عن الوحي المُنزّل من الله تعالى على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وآمنوا أنّ القرآن خُلُق النبي به يسير ويتكلم ويرشد الناس إلى الهدى والصلاح، وهذا اصطدم بالمنهج الغربي الذي لا يؤمن بالدين كنظام للحياة، فكانت رؤيتهم أن القرآن بشري أو من تأليف النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
وهكذا بنى المستشرقون أو أكثر على هذا المنهج محمل دراساتهم عن القرآن، مع ميل بعضهم إلى ما يعتقده من وسم بالدين أو كان قسّاً، فنظر إلى القرآن من هذه الزاوية العقدية أو الدينية، فجاءت دراساتهم مشحونة بكل هذه التداعيات.
هذه مجمل الإشكالية الغربية التي حملها المستشرقون ونشطوا فيها لترجمة القرآن الكريم ودراسته ليقدموه إلى القارئ الغربي بهذا الشكل والمضمون الساذج، الذي يختلف في كثير من نواحيه من أصل النص القرآني لغة ومضموناً وفكراً.